لقد اشتملت العديد من الدراسات ذات العلاقة بمختلف العلوم الجغرافية ، على بعض المفاهيم الجغرافية التي يجب التعرض لها وشرحها بشكل مختصر نظرا لأهميتها، ومن الواضح إن تلك المفاهيم قد أفرزت وتم ترديدها في مختلف الدراسات الجغرافية وأنها في تطور مستمر خاصة بعد ظهور مجموعة علوم الجيوماتيك، و سنحاول خلال الفقرات التالية من تحديد إطار تعريفي لأهم المفاهيم وهي كما يلي: .
التوزيع المكاني – Spatial Distribution العلاقات المكانية Spatial Relationships –والموقع- Location والمسافة -Distance والاتجاه Direction – والتفاعل المكاني Spatial Interaction – والإقليم – Region والحجم Size والشكل – Shape والنمط Pattern -والانتشار المكاني Spatial Diffusion .
1_ التوزيع المكانيSpatial Distribution : يشير هذا المفهوم الى مواقع الظواهر الجغرافية المختلفة مثل (المستوطنات البشرية,السكان,توزيع الغابات,المزارع)في الحيز المكاني في وقت معين.
2_العلاقات المكانية Spatial Relationships : وتعني جميع التفاعلات والعلاقات الترابطية بين أماكن مختلفة وعناصر مختلفة يشملها الحيز المكاني وتعبر العلاقات المكانية عن المهمة الجغرافية التي تتلخص بالمحاور التالية:
-تحليل العلاقات المكانية بين العنصر أو المكوّن الجغرافي المدروس مع ما جاوره من عناصر ومكونات من نفس النوع.
– تحليل العلاقات المكانية بين العنصر أو المكوّن الجغرافي المدروس مع ما جاوره من عناصر ومكونات من نوع مختلف.
-تحليل العلاقات المكانية بين العنصر أو المكوّن الجغرافي المدروس مع عناصر أو مكونات المحيطين المحلي والإقليمي المؤثرة في النشوء.
3_ التفاعلات المكانيةSpatial Interactions : عبارة عن الانسياب المستمر والمتبادل بين العناصر والمكونات اما على المستوى المحلي أو الإقليمي أو القومي أو الدولي، كانسياب البضائع والناس والمعلومات بين أماكن مختلفة فحجم التجاره بين الدول وهجرة السكان بين الأقاليم كلها أمثلة على التفاعل المكاني،ولقد حدد اولمان ulman ثلاث أسس لحدوث التفاعل المكاني أو عدم حدوثه وهذه الأسس على النحو التالي:
_التكامل Complementarlty
_ إمكانية النقل أو قابلية المادة للنقل Transferability
_الفرصة المعترضة Intervening Opportunity
أ_التكامل: ويشير إلى درجه الطلب على ماده معينه (سلعه معينه)في مكان معين وتوفرها في المكان الأخر عندئذ يحدث انسياب تلك السلعة بين المكانين وبشكل أوضح زيادة الطلب على منتوج الخضروات من قبل مدينة ما يتم تلبيته من قبل المنطقة الزراعية الرئيسية الإنتاج الخضروات المجاورة لهذه المدينة .
ب_إما بالنسبة لإمكانية نقل السلعة أو قابلية السلعة للنقل فترتبط ارتباطا وثيقا بتكاليف نقلها والتي ترتبط بدورها بالمسافة الفاصلة بين نقطة البداية ونقطة النهاية فإذا حصل إن تكاليف نقل سلعه معينه غدت مرتفعه جدا فعملية نقل السلعة بين مكانين لن تتم حتى في حالة وجود تكامل بين المكانين.
ج- وقد يحول دون حدوث التفاعل بين مكانين معينين حالة وجود فرصه معترضة، ويمكن توضيح اثر هذا العامل من خلال افتراض إن منطقة (أ)ذات فائض في إنتاج محصول معين ومنطقة (ب)تعاني عجز في توفر هذا المحصول إما منطقة (ج) الواقعة بين المنطقتين (أ)و(ب) فهي ذات فائض من نفس السلعة وبالتالي يترتب على وقوعها بين (أ)و (ب) يعيق الفاعل بين (أ) و(ب) بل يصبح التفاعل ممكن بين (أ)و(ج) الأقرب إلى (أ) بسبب انخفاض تكاليف نقل السلعة المنتجة بينهما.
4_ الموقعLocation : عبارة عن تحديد مكان الأشياء أو الظواهر الجغرافية في الحيز المكاني Space وهناك نوعان من المواقع :
(أ)- الموقع المطلق Location Absolute : وهو عبارة عن موقع أي شيء أو أي ظاهرة جغرافية ضمن نظام شبكة الإحداثيات الفلكية لسطح الأرض (خطوط العرض والطول).
(ب)- الموقع النسبي Relative Location : هو عبارة عن مكان أي شيء أو أي عنصر من عناصر الأرض نسبة لمواقع الأشياء الأخرى ويعكس هذا المفهوم حالة تجاور الأشياء أو العناصر الجغرافية في الحيز المكاني أو في المجال Juxtaposition in Space .
ولتوضيح هذا المفهوم يمكن القول بأن صاحب المصنع لا يهمه عند إقامة مصنعه في مكان معين بالموقع الفلكي ( بالنسبة لخطوط الطول والعرض ) لمكان مصنعه , بل الذي يهمه بالدرجة الأولى , مدى بعد أو قرب مكان مصنعه من السوق , أو مكان المواد الأولية الداخلة في عملية التصنيع بالإضافة إلى العوامل الأخرى المحددة لتوقيع الأنشطة الصناعية المختلفة , ونفس الشيء ينطبق على حالة اختيار مكان السكن المرغوب فيه , فاختيار البعض مكان سكنه القريب من المؤسسات التعليمية (كالمدارس والجامعات ) والصحية (كالمستشفيات والمراكز الصحية الأخرى ) وأماكن عملهم له مايبرره فإذن الموقع النسبي يمكن إن يفرز قيمة موقعيه وتحديد أدق على المستوى الإقليمي, فالأماكن المفضلة تزداد قيمتها بسبب درجة قربها النسبي من الأماكن الأخرى المرتبطة بها .
5- المسافة Distance : ويرتبط هذا المفهوم بمفهوم الموقع خاصة الموقع النسبي , ويعبر عن الفاصل الطبيعي بين مكانين معينين في الحيز المكاني بالمسافة المطلقة وتتمثل وحدات القياس المسافة المطلقة إما بالكيلومترات أو بالأميال وفي بعض الأحيان يتم التعبير عن المسافة المطلقة بوحدات قياس أخرى كوحدات الزمن المستغرقة بقطع المسافة أو بمقدار تكاليف قطع هذه المسافة وهذا ما يطلق علية مفهوم المسافة النسبية Distance Relative .
6- الاتجاه Direction أو التوجيه Orientation :فالتوجيه يساعد تحديد الجهة أو المكان المقصود فالجهات الأربع معروفة لدى جميع حضارات العالم , فتحديد الشرق والغرب يمكن إن يتم من خلال شروق وغروب الشمس , والشمال والجنوب من خلال النجوم , وقد يستخدم بعض الناس الاتجاهات النسبية كقول البعض ” ذاهب إلى البلد ” ويعني به وسط المدينة وربما تكون العاصمة , وكقول بعض المصريين ” وأنا ذاهب إلى مصر ” ويعني بذلك توجهه نحو مدينة القاهرة وهناك من يستخدم Land Ward أي التوجه نحو البر و Sea Ward ويعني التوجه نحو البحر , إما تعبير الشرق الأقصى , الذي يعتبر أوروبي الأصل فيشير إلى إن الدول الأسيوية موجودة في الشرق , فهناك من يطلق اسم الشرق الأقصىFar East على مجموعة من الدول الأسيوية وذلك لأنها أكثر بعدا عن أوروبا والبعض الأخر يطلق الشرق المتوسط Middle East على مجموعة الدول الأكثر قربا لأوروبا .
7- الحجم Size : يتم التعبير في معظم الأحيان عن كبر الظاهر الجغرافية الطبيعية أو البشرية بمقدار حجمها، وعادة ما يتم التعبير عن حجم دولة أو مدينة ما بمقدار عدد سكانها كما يعبر عن حجم الغابة بمقدار مساحتها وعدد الأشجار التي تشتملها إذن حجم الظاهرة الجغرافية يمكن التعبير عنه بعدة معايير فحجم المدينة يمكن التغبير عنه بمقدار مساحتها بالكيلو مترات المربعة أو بمقدار عدد سكانها على نحو ذكرناه سابقاً. ويعود الاهتمام بمفهوم الحجم من قبل الجغرافيين إلى انه كل ما كانت المنطقة الجغرافية كبيرة وواسعة المساحة كل ما زاد احتمال احتوائها على تنوع كبير للمكونات الجغرافية فيها مثل الموارد الطبيعية، كما إن توزيع العناصر والمكونات الجغرافية يتأثر إلى حد كبير بحجم المنطقة الجغرافية التي تنتشر فيها تلك الأشياء مثل توزيع الترب والمستوطنات البشرية فالعناصر الجغرافية التي يبدو نمط توزيعها متكتلا بمنطقة جغرافية محدودة المساحة يبدو توزيعها مبعثرا بمنطقة جغرافية مساحتها اكبر خمسة مرات من المنطقة الأولى .
8- الشكل Shape : يرتبط شكل المنطقة الجغرافية أو الإقليم الجغرافي بمدى التفاعل المكاني ومستويات التكاليف بين الأماكن المختلفة فالوحدة السياسية التي تأخذ الشكل المتطاول قد تشتمل على أماكن معزولة أو متباعدة عن بعضها البعض إما الوحدات السياسية ذات الشكل الملموم Compact Shape مثل جيبوتي وفنزويلا وفرنسا أو اسبانيا فإنها تشتمل على أماكن متجاورة من بعضها البعض مما يكون له الأثر الواضح على تكاليف النقل والاتصال بين تلك الأماكن المتجاورة .
9- النمط Pattern : عبارة عن ترتيب الأشياء أو الظواهر الجغرافية في المجال أو على سطح الأرض ويمثل النمط كلا من النقاط Points والخطوط Lines والمساحات Areas فنمط النقاط يمكن إن يعبر عن عناصر موضعية متكتلة متكتلة Clustered عندما يبدو متمركزا في قسم محدود من منطقة معينة بينما تخلو بقية المنطقة من تلك النقاط وعندما يكون نمط النقاط مبعثر Dispersed فان ذلك يعكس انتشار النقاط في كافة إرجاء المنطقة أو الإقليم الجغرافي .
أما عندما يتألف النمط من مجموعة من الخطوط فقد تمثل حين إذن الحدود المشتركة بين الأماكن أو خطوط المواصلات والاتصالات وفي أحيان أخرى يتم استخدام سمك الخطوط للتعبير عن قوة التفاعل المكاني بين الأقاليم كتمثيل حجم الهجرة والتجارة بين تلك الأقاليم كما يتم استخدام خطوط في التمثيل الكارتوغرافي لظواهر طبيعيه تتعلق بالأنهار والاوديه على الخرائط أما النمط المنتظم فيمكن ملاحظته من خلال تمثيل شبكة الطرق المنتظمة في المدينة العصرية، غير انه يسود في المدن القديمة نمط من شبكة الطرق غير المنتظمة وغير المتصلة Disjointed . أما إذا تم ربط النقاط كالمدن أو المستوطنات البشرية بشبكه من الطرق يدعى ذلك النمط حينئذ بالنمط المركب .
10- الإقليمRegion : ويمثل منطقه جغرافيه من سطح الأرض ذات خصائص أو خاصية جغرافيه مهيمنة تميزها عن غيرها من المناطق الأخرى، وهناك نوعان من الأقاليم:النوع الأول ويدعى بالأقاليم العامه Region Formal حيث يتم تحديد حدود هذا النوع من الأقاليم من خلال توزيع ظواهر جغرافية معينة ( اللغة , الدين) أما النوع الثاني الذي يدعى بالأقاليم الوظيفيةRegion Functional فهي ليست بالضرورة متجانسة من حيث الخصائص التي تميزها عما يجاورها من مناطق جغرافية أخرى فالأقاليم الوظيفية تمتلك تنوع داخلي ملحوظ ويتخللها أنماط وعلاقات متبادلة حيث يتم التركيز على دراسة الأنماط المترابطة داخل الإقليم الوظيفية وتمثل المدينة وضاحيتها مثال عن الإقليم الوظيفي .
11- الانتشار المكانيSpatial Diffusion : ويعرف بأنه آلية أو عملية انتشار العناصر والمكونات الجغرافية المختلفة ( انتقال السكان , وحركة البضائع , والمعلومات ) على السطح أي داخل المجال أو المكان ولمثل هذه العملية تأثير مزدوج الأول: ويتمثل في التأثير التي تفرزه هذه العملية على خصائص السكان المهاجرين , والثاني يتمثل في تأثير عملية الانتشار على الأماكن التي تنتشر فيها تلك العناصر أو المكونات المادية أو البشرية , فأي محاولة لدراسة وفهم قضية انتشار الظواهر الجغرافية مكانيا من خلال تحليل تطورها تستلزم تحديد عناصر هذه العملية , فالعنصر الأول يمثل الزمن لان أي ظاهره جغرافية تنتشر من مكان لأخر فإنها تحتاج إلى وقت كافي لحدوث ذلك. إما العنصر الثاني فهو متغير المكان حيث إن عملية الانتشار تتم بين الأماكن المختلفة وتدعى آلية نقل هذه الظاهرة ( أو السكان الذين يقومون بنقل الظاهرة ) بالناقلين Carriers إما أولئك الذين يتبنون هذه الظاهرة يطلق عليهم اسم المتبنين Adopters والذي لا يتبنى تلك الظاهرة يطلق علية Non – Adopters .
إن الاهتمام بعناصر عملية الانتشار المكاني ليس جديد في الدراسات الجغرافية فلقد اهتمت الدراسات الجغرافية التاريخية بتحليل وتحديد طبيعة العلاقات بين متغير الزمن Time والحيز المكاني Space وابرز هذه الدراسات تلك التي قام بها ساور Sauer الذي تتبع من خلالها أصول أنماط الزراعة في أمريكا الوسطى , إما دراسة هاجر ستراند Hager Strand فقد ألقت الضوء على الظروف التي نجم عنها اتخاذ القرارات المتعلقة بانتشار الظواهر الجغرافية مكانيا فقد ركز هاجر ستراند في دراسته أيضا على انتشار بعض الطرق الزراعية الجديدة في مناطق زراعية تقع في وسط السويد بينما ركزت الدراسات الأخرى على انتشار ظاهرة الابتكارات التقنية Technological Innovations وبعضها الأخر استقصى انتشار الإيديولوجيات السياسية Political Ideologies.
فمجمل القول بأن الدراسات التي بحثت في طبيعة العلاقة المتبادلة بين متغيرات الزمن والحيز المكاني التي لها الدور الحاسم في عملية الانتشار المكاني للظواهر الجغرافية تعد الأساس لفهم توزيع الكثير من الظاهرات الجغرافية.