نشرم.م مهند عاجل التدريسي في قسم اللغة الأنكليزية مقالا بعنوان

(التصدع الذاتي وتجليات الاغتراب في مسرح العبث”في انتظارغودو”انموذجا)

وذلك في “شبكة الإعلام في الدنمارك” وهي شبكة إعلامية سياسية ثقافية فنية مستقله, مسجلة رسمياً لدى السلطات الدنماركية و معتمده رسمياً لدى نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم (1156)
وقد جاء في المقال ما يلي :-
الاغتراب (Alienation) من الظواهر التي تعد مصاحبة لوجود الانسان منذ القدم, تلقي ظلالها على حياة الانسان عبر جسور الوعي و المناجاة و متاهة الفنتازيا بفعل العبث و اللامعقول ليغترب ذلك الكائن المجهول جغرافيا بجسمه او سيكولوجيا بالانطواء على ذاته و رفض الاعراف الاجتماعية السائدة. و ينطلق المسرح العبثي من مقولة: “الانتظار لا يولد الا الانتظار … و الامل شعاع بسيط, يركض امامنا دون توقف.” فرواد العبثية يرون العالم على انه مسرح وان الحياة ماهي الا حلم يملؤه العبث, اللامعنى و اللاوعي وان الاغتراب شيء ازلي و اللغة ماهي الا وسيلة لإذهال و ارباك المتفرج, و يؤمن بعض الفلاسفة و النقاد بأن مسرح العبث هو امتداد لوجودية سارتر و كامو و نيتشه. هذا و يؤمن يونسكو بأن المسرح العبثي او “مسرح الكوميديا السوداء”: “هو خلو النص من الهدف … اذ يشعر الانسان بالضياع اذا ما فقد جذوره الدينية و الغيبية … تصبح كل افعاله سخيفة و عقيمة.” اما البرت كامو فيعرفه على انه: “عالم يشعر فيه الانسان بالغربة و يحس بمرارة المنفى بسبب احساسه بالحرمان و حنينه الى ذكريات الوطن المفقود,” اما صموئيل بيكت فكان الاشد تشاؤما اذ قال في عبارته الشهيرة التي اطرت جميع روْاه الفلسفية و الادبية حتى غدت شعارا له: “يتأرجح الانسان من ظلمة الرحم الى عتمة الحياة الى غياهب النهاية.” و ربما افضل من لخص ركائز هذا المسرح هو الناقد الفنار مارتن اسلين عندما يقول: “في خلاصة القول، إن ظاهرة مثل المسرح العبثي لا تعكس اليأس، أو اللجوء إلى قوى مظلمة وغير منطقية، بل تعبر عن محاولة الإنسان المعاصر أن يفهم العالم الذي يعيش فيه، إنها تحاول أن تجعله يواجه الوضع الإنساني كما هو عليه، وتحرره من الأوهام التي تسبب له عدم الانسجام وخيبة الأمل فكرامة الإنسان تكمن في قدرته على مواجهة الواقع على علاته، من خلو المعنى، وأن يقبله بطواعية، من دون خوف ومن دون أوهام، وأن يبتسم لهذا الواقع.” على نحو الانموذج “في انتظار غودو ” للكاتب صموئيل بيكيت, الحاصل على جائزة نوبل عام 1969 والتي لم يذهب لاستلامها ;تدور أحداث هذه التحفة الفنية حول رجلين يدعيان “فلاديمير” و”استراغون” ينتظران شخصا يدعى “غودو”. لقد أثارت شخصية “غودو، مع حبكة النص، الكثير من التأويل و التحليل والجدل حول المعنى المبطن لأحداثها، و اعتبرها معظم النقاد أهم عمل مسرحي في القرن العشرين باللغة الإنكليزية، حيث تم ترجمتها إلى أكثر من خمسين لغة. مشهدان يكادان ان يكونا متناظران ومعادان، منهما تتألف المسرحية، تدور احداثهما في يومين متتاليين، ففي شارع ريفي، بالقرب من شجرة جرداء، يجلس مشرّدان، أحدهما فلاديمير (ديدي) والآخر إيستراغون (غوغو)، ينتظران شخصا يدعى (غودو)، فهما لم يلتقيا بهذا الشخص من قبل، ولو شاهداه فلن يتمكنا من معرفته، ومع ذلك فهما لا يزالان يؤمنان انه هو من رتب لهما هذا اللقاء في هذا الزمان و المكان!. يحاول “إيستراغون” في احد المشاهد ان ينزع حذائه، يفشل ويعّلق: “ليس ثمة شيء يمكن عمله”، وحين يسمع بالصدفة صديقه “فلاديمير” تلك العبارة لايعزو دلالة تلك العبارة لصعوبة خلع الحذاء، بل لفوضى أخرى تتعلق بالحياة، فيعيدها. فهذه العبارة: “ليس ثمة شيء يمكن عمله”، هي وصف دقيق عن اليأس وعن الاتكالية وعن الجلوس بدون عمل وعن توقف التفكير، وهي صورة للإنسان المعاصر في عصر الحداثة و ما بعد الحداثة. وقد تكون حكاية “غودو” أيضا حكاية ملفقة اختلقها الممثلان ليضيفوا معنى لحياتهم العابثة، حيث العبرة ليس في مجىء “غودو” إنما في مواصلة الانتظار. فلقد عبر بيكت في “انتظار غودو” عن شعور الإنسان بالإغتراب والنفور والعزلة وغياب الموضوعية و عبثية الاشياء ، واللامعنى لنضال الأفراد في سبيل تحسين حياتهم ومعيشتهم ، وأوقع شخصيات مسرحياته في شرك أوضاع لا يستطيعوا أن يهربوا منها .. لم يعتمد في مسرحه على قصة تتطور أحداثها مع الزمن .. كل شئ على خشبة المسرح ساكن .. لا يحدث أي شئ .. الشخصيات تتفاعل من أجل مرور الوقت .. ويكاد يكون الصمت لديها مثل الكلمات .. يتصارعون من أجل اللاشئ ..يلبسوا وينزعوا قبعاتهم و أحذيتهم .. يتكلمون ولكن ليس من أجل إيصال أي شئ .. ربما لملء الفراغ بالوقت .. لا تطور عبر الزمن .. يريدون أن يذهبوا و لكن دون حراك .. الكل منشغل في مناداة إله مجهول أسموه “غودو”.. حالة لا يمكن تحملها .. كلهم منتظرون لغودو .. الذي لم يأتي و لن يأتي. و يمكن القول ان الشخصيات في هذه المسرحية يعانون من التصدع او التشظي الذاتي, و قد ذكر في المعاجم العربية ان التصدع بمعنى التَشَقُّقٌ او التَشَتَّتَتْ, و يقال صَدُّعُ الْجَمَاعَةِ : تَشَتُّتُهَا ، تَفَرُّقُهَا، اِنْهِيَارُهَا ;تَعَرَّضَتِ الجَمَاعَةُ للِتَصَدُّعٍ والتشرذم, كما هو حال تمسك فلاديمير و ايستراغون بغودو, معتقدين ان حياتهم مرتبطة بهذا الشخص و هذا دائما ما يجعلهم ضعفاء في مواجهة و تحديد مصيرهم بسبب الخيبة و فقدان الامل في امكانية تحقيق الاماني في ظل وجود الاشرار و قسوة الحياة بسبب الحروب او بسبب الازمات السياسية و الاقتصادية او بسبب الاضطهاد على اساس اللون و العرق او بسبب الصراعات على المعتقدات الدينية و الاجتماعية; هذا اللون من التصدع الذاتي جعل الانسان بصورة عامة و الشباب بصورة خاصة في حالة من عدم الاستقرار النفسي فهم في صراع شرس دائر بين عالمين متناقضين, احدهما واقعي مؤلم لايرضي او يلبي تطلعاتهم و طموحاتهم و الاخر افتراضي تتلاعب به اليات العولمة المختلفة من فضائيات و انترنيت و جوالات و غيرها من وسائل
التكنولوجيا. فالتصدع الذاتي هو مفهوم حديث يعني تشرذم الانسان مع ذاته بسبب تمسكه بمخلص مبهم كمصدر وحيد للامل للتخلص من العالم العبثي و كذلك شعوره بالعجز عن الاستمرار و التواصل بين الذات و القيم السائدة في المجتمع بسبب العولمة التي بدت تحدث ازمة بالهوية و الانتماء. و الملاحظ ان جل الافراد يشعرون برتابة الاشياء و الأحداث من حولهم اذ تمر الايام بشكل دراماتيكي متكرر, ليس لدينا من بداية ولا نهاية, نعيش تحت وطأة كابوس السؤال المصيري: “هل يمكن أن يأتي “غودو” في يوم من الأيام ؟” أعمال بيكيت دوما تقاوم التفسير الواحد, حيث دائما ما تكون إجابة بيكيت على سؤال “من هو غودو”: “إن كنت أعرف لكنت قلت ذلك في المسرحية”, و حينما سأل الممثل الشهير رالف ريتشاردسون– بيكيت إن كان غودو هو الله، أجاب بيكيت إنه لو كان يقصد الله لكان قال الله وليس غودو يقول الكاتب سمير عطا الله في كتابه “مسافات في اوطان الاخرين”: “ان غودو في نهاية الأمر هو الذي لا يأتي, هو المشكلة التي لا تُحل. هو الضد. هو اللاتجانس, هو اللاسؤال واللاجواب, هو اللاشيء.” , فلو عاد صموئيل بيكت اليوم, لاعتذر عن المسرح العبثي, ولكتب في ” مسرح الجحيم الإنساني.”.
لقد ابدع كاتب المقال في توظيف ما جاء في المسرح العبثي وما يعانيه الانسان هذا اليوم بشكل عام والشباب بشكل خاص حيث العولمه والتطور وما جلب معه من سلبيات من حالة عدم الاستقر النفسي بسبب العيش بعالمين واقعي والاخر افتراضي .
مبارك لاستاذ مهند هذا الأنجاز ولقسم اللغة الأنكليزية ولكليتنا الغراء وجامعتنا المعطاء ومزيدا” من التألق العلمي والعطاء خدمة لعراقنا الحبيب عراق الأدباء والعلماء

 

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *